التغذية في الاسلام 2 - القواعد الاساسية


بقلم الدكتورة حنان لاشين أخصائية التغذية العلاجية والمناعة
محاضر تغذية علاجية بمعهد التمريض

سبحان الذى نزل الكتاب تبيانا لكل شئ ، قال تعالى (﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل: 89]
 
وسبحان الذى لم يفرط فى الكتاب من شئ  ، قال تعالى {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكتاب مِن شَيْءٍ ... } [الأنعام: 38] 
والحمد لله الذى أنزل الكتاب ولم يجعل له عوجا
قال تعالى {الحمد لِلَّهِ الذي أَنْزَلَ على عَبْدِهِ الكتاب وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا}[الكهف: 1 ] .

فكما لكل علم  قواعد أساسية فقد أرسى الإسلام القواعد الآساسية لعلم التغذية ، موضحة فى القرأن والسنة بلغة واضحة بليغة .
ومعا اليوم تكون رحلتنا مع القواعد الآساسية للتغذية فى الاسلام  والتى وردت فى الآية 31 من سورة الآعراف ، قال الله تعالى (( يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ).

س ما القواعد الآساسية التى بينتها الآية الكريمة؟

1- التوقيتات التى يتناول فيها الوجبات
2- التبعاعد بين الوجبات
3- الترتيب لتناول الطعام والشراب 
3- الآعتدال وعدم الإسراف 

أولا" التوقيتات  لتناول الطعام والشراب

قال تعالى (يَـٰبَنِىٓ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدٍ۬ وَڪُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ وَلَا تُسۡرِفُوٓاْۚ إِنَّهُ ۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ (٣١  ) سورة الاعراف
وهنا نداء  كل بنى ءادم وليس المسلمين او المؤمنين وانما هو نداء عام للبشرية فالجميع يحتاج الى الطعام لديمومتة ، فكل إنسان  يحتاج   الغذاء لانتاج الطاقة وللنمو وتجديد ما يتلف من الانسجة وتعزيز المناعة لمكافحة الامراض ،  والقدرة العقلية والنفسية  مرتبطة بنظام غذاء صحى سليم .
ووربط مواعيد تناول الطعام والشراب  مع مواعيد الصلاة التى حددت توقيتاتها متفرقة ولم تجمل  لحكمة يعلمها الخالق  سبحانة وتعالى 
وأنزل  التعليمات التى تنظم مواعيد تناول  الطعام  والشراب مرتبطة بمواعيد الصلوات 

س لماذا فرق  الله الصلوات فى اليوم والليلة وكذا فرق تناول  الوجبات ؟
ج - إن  الله تعالى فرض على عباده خمس صلوات في اليوم والليلة مؤقتة بأوقات اقتضتها حكمة الله تعالى ليكون العبد على صلة بربه تعالى في هذه الصلوات مدة هذه الأوقات كلها فهي للقلب بمنزلة الماء للشجرة تُسقى به وقتاً فوقت ، لا دفعة واحدة ثم ينقطع عنها ، واذا كانت الصلاة هى غذاء ا للروح ، فالطعام والشراب  هما غذاءا للبدن  ، وإذا فرقهما الله سبحانة وتعالى وهو الخالق الحكيم فلذلك حكمة بالغة .

وكما كان من  الحكمة في تفريق هذه الصلوات في تلك الأوقات أن لا يحصل الملل والثقل على العبد إذا أداها كلها في وقت واحد ، فتبارك الله تعالى أحكم الحاكمين "
مقدمة رسالة أحكام مواقيت الصلاة للشيخ محمد ابن عثيمن رحمه الله ".
وكذلك  فى تفريق تناول الطعام والشراب  ، حتى لا يحصل الثقل على أجهزة الإنسان  وخاصة أنه عند دخول الطعام الى الجهاز الهضمى ، فإن هناك الكثير من العمليات الحيوية التى تتم لهضم الطعام وإمتصاصة وإستخدام العناصر التى تفككت من عمليات الهضم  .
 وهذة العمليات تشهد نشاطا زائد فى الآعضاء  المسؤله عن الهضم وتحويل الطعام الى عناصر مفردة يستطيع الجسم استخدامها  فى عملياته الحيوية المختلفة  ،وبالتالى فأن المعدة وبقية أعضاء الجهاز الهضمى التى تفرز الانزيمات الهاضمة والهرمونات المنظمة لعمليات التمثيل الغذائى ،تستهلك طاقة لآتمام هذة العمليات وبالتالى فانه يوردها كميات كبيرة من الدم للحصول على الآكسجين والطاقة ،
فإن أثقل الجهاز الهضمى مرة واحدة بالطعام أرهقت أعضاءة وشعر الإنسان بالتعب  
وكلنا يشعر بذلك عند الحصول على وجبة كبيرة ، فإننا نشعر بالتخمة والتعب والإعياء وكسل الجوارح عن الطاعات .
 لذلك كانت الحكمة من التفريق  مع الصلوات ،لأستمرار الإمداد وللتخفيف من عمل الجهاز الهضمى وملحقاتة ،وحتى يتخلص الجسم من النفايات بشكل جيد .

وأوقات الصلوات ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم  بقوله : 
( وَقْتُ الظُّهْرِ إِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَكَانَ ظِلُّ الرَّجُلِ كَطُولِهِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْعَصْرُ وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ وَوَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ الأَوْسَطِ وَوَقْتُ صَلاةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَأَمْسِكْ عَنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ ) رواه مسلم (612) .
وأثبت العلم الحديث أن هناك علاقة بين نشاط الغدد والضوء.

س هل يجب علينا أن نأكل خمس وجبات؟

ليس  شرطا تناول الخمس وجبات مع الخمس صلوات  ، ولكن هى الآفضل، لآن الدراسات الحديثة أثبتت أن تناول خمس وجبات صغيرة على مدار اليوم  فإنها تحافظ على معدل هرمونات متوازن ، وخاصة هرمون الآنسولين  ، الذى ينظم مستوى السكر فى الدم وكذا ينظم عمليات حيوية كثية مثل تخزين الدهون وتحويل الفائض من الطاقة الى دهون ، وخفض معدل سكر الدم  ، وعند حدوث خلل فى هذا الهرمون لأسباب كثيرة تناول وجبات كبيرة غنية بالكربوهيدرات 
وما يحكمنا أن الله سبحانه وتعالى وضع فينا ألية الشعور بالجوع ، والتى تنبهنا أن الجسم بحاجة الى طاقة وأنه علينا تناول الطعام .
ولنا فى سلوك النبى علية الصلاة والسلام قدوة حسنة 
فقد ورد في السنة كثير من الأحاديث التي تبين عادة النبي صلى الله عليه وسلم في الطعام ، وهي كلها من الهدي المعتدل الكامل بكماله صلى الله عليه وسلم ، لم يكن فيه شيء من الإسراف أو الإجحاف أو الضرر ، فقد بعث رحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم . 
عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها قَالَتْ : ( مَا أَكَلَ آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أَكْلَتَيْنِ فِي يَوْمٍ إِلاَّ إِحْدَاهُمَا تَمْرٌ ) رواه البخاري (6455) .

يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله : ( فيه إشارة إلى أنهم ربما لم يجدوا في اليوم إلا أكلة واحدة ، فإن وجدوا أكلتين فإحداهما تمر ) انتهى . "فتح الباري" (11/292)
وقد ورد عن على رضى الله عنه قوله لإبنه "يابنى لا تجلس على الطعام إلا وانت جائع ولا تقم إلا وأنت تشتهية )
ومن أقوال الحكماء :
 "المعدة بيت الداء , والحمية رأس الدواء , وأصل كل داء البردة . والحمية خلو البطن من الطعام , والبردة إدخال الطعام على الطعام "
وأيضا قول "نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع" وهو ليس  بحديث  للنبى صلى الله عليه وسلم  كما ورد عن علماء الحديث ، فلم يجدوا له أصل فى كتب الحديث

 قال مالك : ومن طب الأطباء أن ترفع يدك من الطعام وأنت تشتهيه...
 وقال سحنون : كل شيء يعمل على الشبع إلا ابن آدم إذا شبع رقد .. " 
وقال ( الحارث بن كلدة ) طبيب العرب : " الحمية رأس الدواء , والبطنة رأس الداء )  وقال الحارث أيضا " الذي قتل البرية , وأهلك السباع في البرية , إدخال الطعام على الطعام , قبل الانهضام " 

س لماذا أرتبط تناول الطعام والشراب بالنهار؟
نرى أن الله سبحانة وتعالى  أنزل  المواعيد التى يجب تناول الطعام والشراب  فيها ، فى وقت النهار ، وقت العمل والنشاط وطلب الرزق  ، العبادات من الصلاة جميعها ،والقيام بدور الإعمار  فى الأرض   ،فهذا هو الوقت الذى يحتاج الجسم فيه الى الطاقة  التى تساعدة على الحركة والعمل والعبادة .، فخلق الله النهار للعمل  والحركة والليل للسكون والراحة  .
قال تعالى 
(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (47)) سورة الفرقان
(أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86)) سورة النمل
(وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا  (11)) سورة النبأ 

ولما خلق النهار لطلب  الرزق والعمل  والليل للراحه فكان لازما أن يربط القدير المواعيد التى يحتاج فيها البدن الطعام والشراب لحصوله على الطاقة التى تعينه على القيام  بحركتة للقيام بواجباته ومسؤلياتة والتكليفات العبادية التى كلفها الله به
كما أن من التوافق  بين تناول الطعام واليات هضمة وأمتصاصة تتناسب  مع فسيولوجيا هذا الخلق المعجز ،
فتوجد هرمونات ، تزيد بالنهار، وهرمونات تزيد بالليل، وكل له دور فى الحفاظ على حسن سير عمليه التوازن البدنى والنفسى والعقلى 
فمثلا  على سبيل المثال لا الحصر ،  هرمون الكورتيزول  أعلى معدل فى الصباح ونشعر بالجوع ونطلب الطعام للتزود بمصادر الطاقة التى تعين على الحركة والعمل والعبادة .  
 وهرمون اللبتين يعمل ليلا ليطمئن المخ أنه لا حاجه الى طلب الطعام  فينام الانسان ويسكن وتسكن جوارحه وتهدأ لتستقبل فجر يوما جديدا نشيطة وقادرة على أداء التكليفات  قال تعالى( وجلعنا نومكم سباتا وجعلنا الليل لباسا) فتقل معدلات معظم العمليات الحيوية وتهدأ فلا نحتاج الكثير من الطاقة  ، وتوفر الطاقة  من المخزون الداخلى  ويقود العمليه مجموعه من الهرمونات منها اللبتين وهرمون النمو الذى يزيد بالليل ،
وهرمون الألدستيرون يزيد بالليل ويساعد الجسم فى اعادة امتصاص الماء والبوتاسيوم والصوديوم فلا نفقد سوائل ومعادن وننام نوما هادئا  ولا نذهب للحمام كل فترة فيضطرب النوم .وكلها منظومة في غاية الدقة ،فسبحان الذى خلق فسوى وسبحان الذى قدر فهدى .
وختاما كما  أقول دائما  إذا كان الأمر نزل من عند الله ما علينا إلا أن نقول سمعنا وأطعنا ، علمنا العلة من التشريع أم لم نعلمه ، فهذا هو الهدى الذى أنزلة الله لعباده للحفاظ على ديمومتهم والقيام بخلافة الآرض  وعبادتة.
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه واذا قضي الله ورسوله أمراَ قالوا سمعنا وأطعنا .

دمتم بخير




ملاحظة: تم نقل هذه المقالة من موقع المعهد الاسلامي للتغذية (التعليم الالكتروني) بتصريح من الدكتورة حنان لاشين مشكورة - المستشارة في في مبادرة صحتك مصلحتك

Comments